بمجرّد أن يتأكّد دخول الشهر حتى تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئات قائلين :
( عواشر مبروكة )
والعبارة تقال بالعامية المغربية، وتعني (
أيام مباركة ) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة
عشر
الرحمة، وعشر
المغفرة، وعشر
العتق من النار
ثم إنك ترى الناس يتبادلون الأدعية والمباركات والتهاني فيما بينهم سرورًا بحلول الضيف الكريم
الذي يغير حياة كثير من الناس تغييرًا كليًا .
وكما هو المعهود فإن رمضان يعدّ فرصة عظيمة للتقارب والصلة بين الأرحام بعد الفراق والانقطاع
فلا عجب أن ترى المحبة ومباهج الفرح والسرور تعلو وجوه الناس ، وتغير من تقاسيمها وتعابيرها
بعد أن أثقلتها هموم الحياة
يبدأ المواطن الاستعداد لشهر رمضان المبارك قبل قدومه بأيام عديدة
إذ يحظى بمكانة خاصة لدى المغاربة الذين يستعدون له على حد سواء
عائلات
غنية و فقيرة فتنشط الأسواق ويغدو الليل كالنهار كله
حركة وحياة في أجواء من المشاعر الدينية العميقة
ويتميز شهر رمضان المبـارك بمظاهر كثيرة ومتنوعة، والاحتفال به له خصوصية
وفي هذا الشّهر تتزين واجهات المحلات وتتلألأ صوامع الجوامع
في كل المدن وتدب حركة غير معتادة في الشوارع والاسواق
كما تنشط المحلات حتى ساعات متأخرة من الليل
وتستعيد العلاقات العائلية المغربية في رمضان الدفء الذي سرقته منها حياة
المدن الصاخبةويقول المغاربة إن شهر رمضان هو شهر" اللمة" مع العائلة بدرجة
أولى إذ يمثل فرصة نادرة للمّ شمل أفراد الاسرة حول مائدة واحدة بعد أن فرقها
نمط الحياة العصرية طوال السنة
وجرت العادة على أن
يفطر المغاربة على التمر والحليب او عصير ثم يؤدون صلاة
المغرب ليعودوا بعد ذلك إلى مائدة الافطار التي تتميز بنكهة خاصة في رمضان
الذي تعدّ فيه المرأة المغربية أطباقا رائعة من أشهر الأكلات المغربية الخاصة بالشهر
الكريم ويجب التذكير ان للحلوى الرمضانية حضورٌ مهم في المائدة المغربية ، فهناك
(
الشباكية )و(
البغرير ) و( ا
لسفوف ) والكيكس والملوزة والكعب
والكيك بالفلو وحلوى التمر وفطائر رقيقة مثلّثة الشكل تحشى بالبيض
ولحم الفروم او الدجاج أو التونة مع إضافة البصل والبقدونس المفروم
وتطهى في الفرن والبطبوط الصغير المحشي وطبعا البيتزا وبطبيعة
الحال فإن تواجد هذه الحلوى يختلف من أسرة إلى أخرى
بحسب مستواها المعيشي .
التواجد الرمضاني داخل المساجد
ويستوقفنا التواجد الرمضاني الكثيف داخل المساجد ، حيث تمتليء المساجد بالمصلين لا سيما
صلاة التراويح وصلاة الجمعة ، إلى حدٍّ تكتظ الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين
مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا الشعب وبين دينه وتمسّكه بقيمه ومبادئه .
هذا ، وتشرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ما يسمى
بـ (
الدروس الحسنية الرمضانية ) وهي عبارة عن سلسلة من الدروس
اليومية تقام خلال أيام الشهر الكريم بحضور كوكبة من العلماء
والدعاة ، وعلى رأسهم
صاحب السمو الملكي محمد السادس وتلقى هذه
الدروس اهتماما من الأفراد والشعب كافة لما يلمسونه من أهمية هذه الدروس
ومدى ارتباطها بواقعهم وإجابتها عن أسئلتهم وهذه الاخيرة تذاع يوميا على
شاشة التلفزيون، و طبعا تقوم
وزارة الأوقاف بطباعة هذه الدروس وتوزيعها إتماما للفائدة .
ليالي رمضان عند المغاربةليالي رمضان عند المغاربة تتحول إلى نهار فبعد أداء صلاة العشاء ومن ثمَّ أداء صلاة التراويح
يسارع الناس إلى الاجتماع والالتقاء لتبادل أطراف الحديث . وهنا يبرز
الشاي المغربي كأهم عنصر من العناصر التقليدية المتوارثة ، ويحكي المهتمون من أهل التاريخ عن عمق
هذه العادة وأصالتها في هذا الشعب الكريم ، وظلت هذه العادة تتناقل عبر الأجيال وفي
بعض المدن المغربية تقام الحفلات والسهرات العمومية في الشوارع والحارات
ويستمر هذا السهر طويلا حتى وقت السحر .
النفار او الطبال او المسحراتيوهنا نقول : إن شخصية (
الطبّال ) أو (
المسحراتي ) - كما يسميه أهل المشرق - لا تزال ذات
حضور وقبول ، فعلى الرغم من وسائل الإيقاظ التي جاد بها العصر فإن ذلك لم ينل من مكانة تلك
الشخصية ولم يستطيع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني حيث لا زالت حاضرة في كل حيّ
وكل زقاق يطوف بين البيوت قارعا طبلته وقت السحر ، مما يضفي على هذا الوقت طعماً مميّزا
ومحبّبا لدى النفوس .
يوميات المغربي بعد صلاة العصرالفترة ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر تشهد فتورًا ملحوظًا وملموسًا ، حيث تخلو الشوارع من
المارة والباعة على السواء ؛ لكن سرعان ما تدب الحياة في تلك الشوارع، وينشط الناس بعد
دخول وقت العصر – خصوصا في الأسواق – لشراء المستلزمات الخاصة بالإفطار من الحلويات
والفواكه وغيرها من المواد التموينية المهمة ، مما يسبب زحاما شديدا في المحلات التجارية
وعند الباعة المتجولين .يفضّل أكثر الناس الإفطار في البيوت ، إلا أن هذا لا يمنع من إقامة
موائد الإفطار الجماعية في المساجد من قبل الأفراد والمؤسسات الخيرية لاسيما في
المناطق النائية والقرى والبوادي .
بعد صلاة الفجروبعد صلاة الفجر يبقى بعض الناس في
المساجد لقراءة القرآن وتلاوة الأذكار الصباحية بينما
يختار البعض الآخر أن يجلس مع أصحابه في أحاديث شيّقة لا تنتهي إلا عند طلوع الشمس
عندها يذهب الجميع للخلود إلى النوم بعد طول السهر والتعب .
ومع
قرب انقضاء أيام هذا الشهر تختلط مشاعر الحزن بالفرح ، الحزن بفراق هذه الأيام
المباركة بما فيها من البركات ودلائل الخيرات ، والفرح بقدوم أيام العيد السعيد ، وبين
هذه المشاعر المختلطة يظل لهذا الشهر أثره في النفوس والقلوب وقتاً طويلا